النفاق الإداري: فيروس أم موروث فكري

بقلم: أ.د. يونس مقدادي

لقد تحدث الكثير من ذوي الأختصاص من أصحاب الفكر الإجتماعي والنفسي والإداري وكذلك الاديان السماوية والرافضة مجتمعة لظاهرة النفاق لما لها من مضار تلحق بالمجتمعات أفراداً ومؤسسات، مع تأكيدهم على أن ظاهرة النفاق هي نتيجة لإفرازات فكرية وسلوكية خارجة عن قاعدة الفكر المنطقي السليم والسلوك القويم وآداب الحديث لبني البشر. ومن صور النفاق المتعدده النفاق الإداري، والذي أصبح شائعاً في ثقافة وجسم المؤسسات بمستوياتها الوظيفية ولأسباب عديدة ومعروفة للجميع، وتُعد من إحدى المعضلات التي تقف أمام حاكمية المؤسسات والعاجزة نوعاً ما في معالجة هذه الظاهرة ذات الإنعكاسات السلبية على نوعية الأداء الإداري والوظيفي، بل أسهمت في إيجاد ثقافة مؤسسية غير متزنة بمفاهيمها الإدارية والأدائية ، وترسيخ صور ذهنية مشوشة يسودها القيل والقال في مناحي الحياة الإدارية والوظيفية للمؤسسات.

إن ظاهرة النفاق الإداري ليست وليدة اليوم بل هي موجودة منذ نشأة الكيانات البشرية بإعتبارها الحاضنة الرئيسة ومنها المؤسسات ، ومنتشرة في جميع مجتمعات العالم ومؤسساته ولكن نجدها أكثر إنتشاراً في مجتمعات العالم الثالث ومؤسساته ولأسباب معروفة أيضاً للجميع. ومن المؤسف نجد هذه الظاهرة أصبحت تتجذر في فكر وسلوك عدد من العاملين في المؤسسات ولإعتقادات مختلفة ومصالح شخصية ضيقة، وتبدأ معالمها بالحديث المزخرف كالثناء والمديح والتأييد والمؤزارة لأعمال وأفعال وتوجهات ممن هم في موقع المسؤولية وممن هم يطربون على النفاق وصولاً إلى جملة من المكاسب الشخصية والتي تُعد السبب والدافع الحقيقي للنفاق.

لقد تناول رواد الفكر الإداري الحديث بنظرياتهم المتعددة موضوع السلوك الإداري والقائم وبشكلٍ واضح على المنهج السلوكي للأفراد تجاه الحياة الوظيفية والمؤسسية أعتقاداً بإن السلوك الإداري بمضامينه هو من أهم مفاتيح النجاح والقائم على نوعية القيم والمبادئ المؤسسية كأساس لألتزام الجميع بها قولاً وعملاً لخلق بيئة وثقافة مؤسسية صحية رافضة للمفاهيم والسلوكيات الدخيلة والهدامة ومنها النفاق الإداري بعواقبه والرامية إلى زيادة درجة الإنحراف السلوكي عن المسارات والتوجهات والتطلعات التي تسعى إليها حاكمية المؤسسات في بناء مستقبل مؤسسي نوعي مع الحرص على الأداء الأمثل.

إن إنتشار ظاهرة النفاق الإداري قد أصبحت ملفتة للعيان مما دفع العديد من الباحثين في العلوم السلوكية والإنسانية والإدارية إلى تسليط الضوء على هذه الظاهرة بإبعادها والعوامل التي صنعت هذه الظاهرة والتي أكدت نتائج دراساتهم بإن أسباب الأنتشار كانت تكمن في غياب القيم والمبادئ المؤسسية الرشيدة، وضعف في أنماط القيادة الإدارية والسامحة لأنتشار هذه الظاهرة في مكاتب وأروقة المؤسسات، وطرب بعض المسؤولين في المؤسسات بالسماع لأحاديث ومصوغات ممن يمارسون النفاق. وقد أدى ذلك إلى تفتيت القيم والمبادئ المؤسسية والوظيفية الأصيلة، واستهلاك معظم وقت العمل في الشؤون الشخصية والقيل والقال، والابتعاد عن الأهداف والغايات المنشودة…الخ من النواتج السلبية ذات الإنعكاسات السلبية على الأداء الوظيفي العام للمؤسسات.

ويرى المختصون بإن استئصال ظاهرة النفاق الإداري تتطلب معالجات وتوجهات حقيقية من حاكمية المؤسسات لمنع تفشيها والتعامل ومنها تصميم آطر إدارية وسلوكية وقانونية للتعامل مع ظاهرة النفاق الإداري للحفاظ على الأداء المؤسسي العام، والغاء مفهوم وتداعيات النفاق الإداري فكرياً وسلوكياً وعلى مختلف المستويات والمسميات الوظيفية ضمن آطار التوجهات الإستراتيجية للمؤسسات وشعارها العطاء والتميز في الأداء المؤسسي، وترسيخ القيم والمبادئ الوظيفية الرشيدة، وغلق صالونات وأبواب النفاق والقيل والقال، وتغيير أنماط القيادة الإدارية ذات الميول لثقافة النفاق، وتفعيل روح العمل الجماعي، ونبذ ثقافة الشخصنة أو الفردنة، والإيمان الكامل بلغة الطرح والتفاعل المشترك، وتطبيق مبدأ العدالة للجميع. وعليه سنجد بإن المؤسسات قد أصبحت  قادرة على تجاوز الكثير من القضايا السلوكية الشائكة متجهه نحو النجاح والأداء المؤسسي المتميز وبعيدة عن فيروس النفاق الإداري ورواسبه لحماية جسم المؤسسات وبشكلٍ نهائي بدلاً من تجذره وبقاءه موروثاً فكرياً عند رواده.