تزييف الوعي وتغييب الحقائق / د.ابراهيم سيف

خلال الأيام القليلة الماضية تم تداول عدد من الأخبار، من الذاكرة سوف أستعرض ثلاثة منها، لتبيان كيف أن نقل الأخبار أحيانا واختيار العناوين يؤسس لاتجاه سلبي أو إيجابي، وإلى متى يمكن أن يستمر التأكيد أن الوضع الاقتصادي سيئ لدرجة لا تطاق.

الخبر الأول يتعلق بما وصف بالدين القومي، وهو مصطلح فضفاض وخاطئ، وضع حجم الدين من دون تعريف المقصود به قريبا من 90 مليار دولار، وهو ما يعني حوالي ضعفين ونصف الناتج المحلي، في الوقت الذي تبذل الجهود الهائلة لخفض نسبة الدين الى الناتج نقطة مئوية واحدة لتبيان أثر الإجراءات الصعبة التي اتخذتها الحكومة على مدى الأعوام الماضية. انتشر الخبر وتناولته وسائل التواصل كافة، من دون التحقق من الرقم والمقصود به وكأننا بحاجة الى هذا النوع من الترويج الإعلامي.

الخبر الثاني حول الصادرات الأردنية، نشرته إحدى الصحف المحلية حول انخفاض صادرات الأردن الى العراق وسورية بنسبة كبيرة خلال الربع الأول، في حين أن بيانات الصادرات للشهرين الأولين من العام نمت بنسبة 18 في المائة حسب بيانات غرف الصناعة التي هي ذاتها مصدر الخبر، فأي الخبرين أولى أن يتصدر صحفنا ومنابرنا؛ الخبر السلبي أم الإيجابي. ما يقرر ذلك هو الرسالة التي نريد إيصالها، هل نريد التركيز على الإيجابيات أم السلبيات، هل نريد أن نظهر أننا على طريق الخروج من الأزمة وحالة التباطؤ، أم نريد التأكيد أننا لن نتمكن من الخروج من الضائقة؟ والمشكلة في طرح السلبيات هي أننا لا نقترح البديل، بل نختارها نهجا شبه طبيعي مع أن التغيير في المزاج العام له علاقة أيضا بالأداء وكسب التأييد واستعادة الثقة في السياسات العامة.

الخبر الثالث، هو خروج من يدعي نفسه خبيرا نفطيا، حصل وأن قابلته شخصيا بصفتي الرسمية السابقة، والحكاية هي نفسها يوجد دراسات مؤكدة أن الأردن يعوم على بحر من النفط، والغاز والكثير من المعادن، وأن كل طبقة من طبقات الأرض تحمل الأمل بالمستقبل، وعندما كنا نطالب بالاطلاع على هذه الدراسات لتشكيل الرأي العام وجذب المستثمرين، والبدء بالخطوات العملية لاستغلال واحدة من الموارد التي تكفي الأردن مئات السنين، كانت الحجة أن هذه الدراسات التي أعدها الأميركان والغرب ليست متاحة للعموم، فكيف سنصدق هذه الدراسات؟ وكيف يمكن إقناع المستثمرين بالقدوم الى الأردن؟ وكيف نخرج من رحم نظرية المؤامرة ونقر أن الأردن من الممكن أن يكون فيه موارد، ولكننا لا نستطيع الترويج والتسويق لها بسبب قلة الموارد المخصصة لذلك. عموما، الحديث عن ثروة في باطن الأردن والتلميح الى أننا لا نريد استغلالها، بدلا من أننا لا نستطيع بسبب العديد من المحددات، يعمق الشعور السلبي ويزرع أوهاما في عقول الناس والمراقبين من دون وجود أي سند علمي حقيقي لها باستثناء دراسات سرية لا يعلم عنها سوى مروجي تلك الأخبار، وهذا يتناقض مع المنطق الذي يقوم على أن إعداد الدراسات هو الخطوة السابقة للبدء بالاستثمارات.

علم الاقتصاد لم يعد يتعلق بالموارد فقط، بل إن الجانب النفسي وزرع الأمل والثقة بالمستقبل باتا بأهمية توافر الموارد، وهذا يجب إدراكه عند جمهور المتشائمين، والقصة ليست فبركة أخبار والمبالغة بتعظيم الإيجابيات بل السعي للاقتراب من الموضوعية التي تظهر المؤشرات الإيجابية المتحققة.

الغد