الأستاذ الجامعي :عنوانُ التحديات واداة التغيير والتنمية في عالمنا المعاصر / أ.د. عدنان الجادري


إن قضية التغيير والتنمية بأبعادهما ومضامينهما تشكلان الاطار السليم لإطلاق الطاقات واستثمار الموارد المتاحة بشكل كفؤ، وأخذ يعبر عنهما بعملية ديناميكية تهدف الى احداث تطورات كمية ونوعية في حياة المجتمعات على الصعد كافة الاقتصادية والاجتماعية والحضارية فضلاً عن تعبئة مواردها وامكاناتها لغرض اشباع احتياجاتها وتحسين نوعية حياتها، واصبح الانسان يمثل محورها فهو وسيلتها وغايتها بما تتيح له عملية التغيير والتنمية من انتفاع بمردوداتها ونتائجها، وان الاعتماد على الأنسان في انجازها لا بد من أن يكون في وضع يؤهله لأداء هذا الدور المهم، لان العامل المادي يبقى قاصراً على احداثها وتحقيق اهدافها ما لم يأخذ العقل البشري دوراً في استثماره وتوجيهه بشكل فاعل ومؤثر.

ومع نهاية العقد الثاني من الألفية الثالثة نواجه كغيرنا من شعوب الدول النامية تحديات متعددة التي فرضتها المتغيرات والمستجدات على الساحة الدولية، والتي يمكن اختزالها في العولمة والتقنية المتقدمة والانفتاح الإعلامي والانفجار المعرفي والمعلوماتي والتكتلات الاقتصادية والثقافية.

وهذه المستجدات بما تتضمنه من إيجابيات وسلبيات لا يمكن لدولنا تجنبها، بل ينبغي التعامل معها والتكيف لها والتركيز على الميادين التي يمكن ان تؤدي دوراً مهماً في مواجهتها. اضافة الى ما يرافق هذه التحديات تغيرات على الصعد كافة الاقتصادية والاجتماعية والحضارية .

فضلاً عن التغيير بصفة عامة سنة كونية وضرورة حياتيه للمجتمعات البشرية ، فالأنسان وبشكل مستمر يكتسب الكثير من الحقائق والمعلومات والمعارف التي تولد له نتاجات علمية وتكنولوجية جديدة التي لم تكن معروفة له سابقاً، ، ولذلك فإن بنيته المعرفية في تراكم ونمو بشكل مستمر, ولهذا ينبغي ان تتخذ خطوات ايجابية متزنة وتبذل جهود مضنية لأجل التكيف معها و مواكبتها.  والتغير في مفهومه العام يعني التحول من وضع الى وضع آخر او من واقع الى واقع آخر .

وقد صاحب التغير حياة  البشرية منذ أن وجدت على هذه الأرض وحتى وقتنا الراهن, أي انه قديم  قدم الحياة على وجه المعمورة، ولكن عملية التغيير أخذت تسير بشكل متسارع ومضطرد خلال النصف الثاني من القرن الماضي مقارنة بالقرون الماضية سواءً أكان في الكم أم النوع .

وهذا التغيير يعزى بدرجة اساسية الى النقلة النوعية في التفكير والإنتاج العلمي والتطور المتسارع في انتاج التكنولوجيا وتوظيفها في خدمة حياة الأنسان بجوانبها كافة.  

ومن أجل مواجهة هذا الواقع لابد من إيلاء اهتمام كبير ومتزايد لقطاع التربية والتعليم لأن يؤدي دوراً حاسماَ في مواجهة هذه التحديات وصياغة المستقبل لشعوبنا، لإن المستقبل بكل أبعاده وتحدياته يعتمد على بناء المواطن الصالح والمنتج، بإعداده وتأهيله بكفاءة وفاعلية تمكنه من التفاعل الواعي مع التقدم العلمي والتقني الذي يشهده عالمنا المعاصر والتغيرات المتسارعة في جوانب الحياة المختلفة  والتي تؤثر بشكل مباشر في حياة مجتمعاتنا.

ولهذا يجب أن تصبح المؤسسات التربوية  مؤهلة لأداء دورها التطويري في بنية  المجتمع وارسائه على اسس حضارية وقادرة على تبؤ الموقع القيادي والريادي المتقدم لإحداث التغيير الهادف لمواجهة التحديات والتغيرات المتسارعة اتي تحصل في عالمنا المعاصر.

 فمؤسساتنا التربوية وبخاصة الجامعات التي تحتل قمة الهرم التربوي في مجتمعاتنا العربية  تحتاج الى اصلاحات جذرية في وقتنا الحاضر ، أكثر من أي وقت آخر , لأن استجابتها لدواعي التغيير، لازالت بعيدة عن ما يجب ان تكون عليه ولا ترقى الى مستوى التحديات والتطورات التي تحصل في العالم المتقدم ، بل هناك من يعتبر ان التخلف ومظاهره المختلفة والابتعاد عن او عدم مواكبة التغير يعزى بالدرجة الأولى الى تخلف مؤسساتنا  التربوية وفي مقدمتها الجامعة. 

في حين تعد الجامعة  وفي كل العهود التي مرت بها البشرية رمزاً لنهضة الأمم وعنواناً لعظمتها ورقيها ,  و ضرورة اجتماعية وحضارية تمليها متطلبات العصر باعتبارها الكيان الذي يحتضن البيئة الثقافية بأبعادها الفكرية والعلمية والتكنولوجية وتمثل عقل المجتمع وضميره في مواجهة التحديات والتغيرات على الصعيد الحضاري والفكري وعين المجتمع في رؤيته وتطلعاته نحو المستقبل استلهاماً من تراثه وشخصيته الحضارية . وغالبا ما يقاس تطور الأمم في ضوء المكانة التي تتبوؤها الجامعة ومؤسساته التعليمية الأخرى باعتبارها البيئة العلمية المؤهلة لأمداد مؤسسات الدولة والمجتمع  بالموارد البشرية الكفوءة والمقتدرة على صياغة التاريخ و تحقيق التقدم في ميادين الحياة كافة.

والجامعة بمفهومها المعاصر هي مصنع المعرفة واهدافها لن تعد ترفا مجتمعياً لأعداد موارد لشغل الوظائف في سوق العمل بل اصبحت خياراً استراتيجيا في اطارمنظومة استثمار وتنمية الموارد البشرية .

   ولهذا ظهرت في السنوات الأخيرة نداءاتٌ وصيحاتٌ من السياسيين وصانعي القرارات والمتخصصين التربويين لإصلاح قطاع التعليم وتطوير إمكاناته البشرية والفنية والمادية، وأن يشمل هذا الإصلاح كل ما يتعلق بالمؤسسات التربوية والعملية التعليمية التعلمية التي تشتمل على المناهج الدراسية وطرائق واستراتيجيات التدريس والبيئة التعليمية , وقبل ذلك المعلم في مستوياته ومؤهلاته كافة والذي يتبوأ  فيه الأستاذ الجامعي قمة السلم التعليمي بوصفه العنصر الأساسي والفاعل والحلقة الأقوى في العملية التربوية والتعليمية ، فهو قائدُ العملية التربوية ورائدُها، والتي من دونه لا يمكن ان تؤدي أغراضَها إذا لم يتوفر لها المربي الصالح الذي ينفخ فيها من روحه لتصبح ذات أثر وقيمة.

وإنَّ مهنة المعلم هي مهنةٌ جديرةٌ بالتقدير والإجلال فكيف لا يكون ذلك وصدق رسول الله محمد (صلى الله عليه وسلم) عندما يقول إنما بُعِثتُ معلما، لأن المعلم يبني عقولاً مفكرة ومبدعة وأنه يؤدي مهنة الأنبياء والرسل .

   وبناءً على ذلك فان موضوع الاهتمام بالأستاذ الجامعي في وقتنا الراهن لأداء دوره الطليعي في المجتمع قضية يقينية ولا تقيل الشك  لأنه يعد عنواناً وأنموذجاً للتصدي ومواجهة التحديات العلمية والتكنولوجية والحضارية وأداة لإحداث لتغيير الاقتصادي والاجتماعي والثقافي  في عالمنا الذي نعيشه في الوقت الحاضر .

واضحى هذا الموضوع  لا يخص شريحة القيادات الجامعية والمفكرين وذوي الاختصاص في قطاع التعليم العالي فحسب ، وأنما يتعدى ذلك ليصبح قضية تخص  شرائح المجتمع عموماً  وبشكل خاص صناع القرارات والسياسيين المسؤولين عن أصدار التشريعات والقوانين ووضع السياسات والخطط  والبرامج الهادفة للنهوض بالواقع الجامعي والتنموي والحضاري.

وذلك لإن الأستاذ الجامعي يمثل القيادة الفكرية الحقيقية في الوسط الاجتماعي وانه الأداة المحركة لإحداث التغيير الذي ينشده المجتمع في ضوء ما يقدمه من افكار وآراء ونظريات ونماذج من الابتكارات والاكتشافات في شتى ميادين العلم والمعرفة .

ويعد الدور الذي تؤديه هذه القيادة الفكرية  ركناً اساسياً من اركان التغيير والبناء التنموي للمجتمع , ويجدر بالجامعة كمؤسسة تعليمية وبحثية  ان تعي هذا الدور وتوظف كل الإمكانات المتاحة وتهيئ المناخ العلمي والعملي الملائم والمحفز للابتكار والأبداع وترجمة نتاجه الفكري والبحثي لخدمة المجتمع والنهوض بمؤسساته الإنتاجية الخدمية .

    ومما لاشك فيه ان للأستاذ الجامعي دورا كبيرا ومؤثرا في مواجهة التحديات وعمليات التغيير التي تحصل في المجتمع بابعاده كافة فهو احد الاركان الاساسية والمحورية التي يستند اليها البناء الجامعي بكل مفاصله وتوجهاته ، وهو مركز للإشعاع الفكري والمعرفي الذي تتم بموجبه اغلب التطورات والتغيرات بالبنى الاقتصادية والاجتماعية في المجتمع .

ويتمتع الأستاذ الجامعي بالقدر نفسه في الحرص على العملية التعليمية التعلمية لأحداث التغييرات السلوكية والمعرفية لدى الطلبة وبناء شخصيتهم الأكاديمية والمهنية والاجتماعية  . فضلاً عن المكانة المؤثرة التي يتبوؤها  الأستاذ الجامعي في التفاعل وقيادة المجتمع والتأثير فيه وذلك لكونه القيادي المؤهل على نقل مخزونه العلمي والفكري الى مجتمعه , وأجراء البحوث والدراسات العلمية بمضامينها الأكاديمية والتطبيقية والإجرائية وذلك لمعالجة المشكلات التي تواجه المجتمع وفق اساليب علمية ومنهجية مدروسة  لغرض ايجاد حلول حقيقية لها .

وينبغي ان يشارك الاستاذ الجامعي بفاعلية في عقد الحلقات الدراسية والندوات العلمية داخل المؤسسة الاكاديمية وخارجها الى شرائج المجتمع بحيث تكون هذه النشاطات رافدا اضافيا لخلق الوعي العلمي في صفوف المجتمع . وان تترسخ في الاستاذ الجامعي القيم التربوية ومهارات التواصل الاجتماعي وان يتعالى في التعامل مع  الامورالصغيرة التي لا تجدي نفعاً وان يركز في تعامله على الامور الاكاديمية الأساسية التي تقع ضمن اختصاصه وفقاً للمكانة الرفيعة التي شرفه المجتمع بتبوئها. وأن يكون مثالاً للسلوك والقيم الأخلاقية  التي تضعه بمكانة المربي الفاضل والقدوة التي يحتذى بسلوكه وافكاره الاخرين .

وان يشارك بشكل فاعل في النشاطات والفعاليات المجتمعية كافة التي من شأنها ان تعالج المشكلات وتلبي الحاجات التي يطلبها المجتمع اضافة للمشاركة  في المناسبات الوطنية والاجتماعية .

وعلى الاستاذ الجامعي ان يتابع كل ما هو جديد من معرفة في مجال تخصصه العام والدقيق وان لا يدخر جهدا في سبيل حصوله على هذه المعرفة التي هي حصيلة  التطورات العلمية والتكنولوجية المتسارعة التي يتوصل لها من مصادر تقنية متعددة وبالأخص التقنيات الحاسوبية والمواقع العلمية التي تتخللها.

ومن الضروري ان يبذل الأستاذ الجامعي المحاولات والجهود المضنية لإن يصبح شخصاً معروفاً علمياً في الأوساط الأكاديمية فضلاً عن مشاركته بالندوات والمؤتمرات العلمية لطرح نتاجه العلمي والبحثي والتسلح بما هو جديد في هذه المنتديات العلمية نتيجة تبادل الخبرات مع النخب الأكاديمية المتقدمة في حقل التخصص على المستويات الوطنية والإقليمية والعالمية كافة.

ويجدر بالجامعة ان توفر كل التسهيلات الادارية والمالية والفنية والدعم المطلوب لكل ما يحتاج اليه ابتداءً بإعداد البحوث وحتى نشرها في المجلات العلمية ومشاركته في الندوات والمؤتمرات العلمية حتى يصبح الاستاذ الجامعي النموذج والقدوة عنواناً حقيقياً للتحدي واداةً للتغيير والتنمية .