الأستاذ الجامعي المتميز .. عصبُ التعليمِ وعماده / أ.د. صلحي الشحاتيت

يعد التعليم الجامعي أحد الدعامات الأساسية التي يرتكز عليها المجتمع وتطوره، ولا شكّ أنّ التعليم الجامعي يهدف إلى تعليم عالي الجودة، فجامعاتنا الأردنية اليوم تشهد حراكاً كبيراً في محاولة منها لمواكبة ركب الجامعات العالمية المتطورة؛ لتحظى بمنزلة في التصنيف العالمي للجامعات، وليتحقق ذلك يجب التركيز على محاور العملية التعليمية، وهي ثلاثة لا تنفصل عن بعضها البعض، وكلا منها يؤدي إلى الآخر؛ وهي: الأستاذ الجامعي، والطالب، والمقرر الدراسي.

الأستاذ الجامعي؛ ويقع على عاتقه إعداد الكوادر البشرية المؤهلة والمدربة لتهيئتهم لخدمة المحتمع، فهو محور العلمية التعليمية؛ ينهض بالطلبة بغض النظر عن ضعف المقرر الدراسي، وعن مستواهم التعيلمي، فعملية التدريس من أولى مهام الأستاذ الجامعي؛ فمنهم من يعتمد على الأساليب التقليدية، ومنهم ما يفضل الأساليب الإبداعية، فالتدريس الجامعي عملية حيوية تفاعلية، الغرض منها تحريك الحواس المختلفة لدى الطالب؛ لتقوم بدورها في ملاحظة الواقع ورصد ما يحيط به بدقة وموضوعية، وممارسة التقويم والإبداع في التدريس، بالإضافة إلى دوره بالبحث العلمي، والمشاركة بالندوات والمؤتمرات العلمية والتربوية، وخدمة المجتمع، بمواجهة كافة المشكلات وإيجاد الحلول لها، بالإضافة إلى التطور الذاتي المستمر بما يواكب العصر وتطوراته.

إنّ جودة التعليم والمؤسسات التعليمية مرتبطة بشكل مباشر بما يمتلكه الأستاذ الجامعي من قدرات وأساليب تدريسية حديثة ومتطورة، فمهما كان مستوى المنهاج متطوراً ومهما توفر من تجهيزات ومستلزمات وإمكانيات تخدم العملية التعليمية؛ فإنها لن تحدث تغييرا ولن تحقق نجاحاً، ما لم يكن أستاذ جامعي يمتلك الكفاءة العلمية والمهنية، والمتمكن من إيصال المعرفة لطلبته بطريقة إبداعية، وخاصة بما يشهده العصر من زخم معرفي كبير، بحيث أصبح الطالب اليوم أكثر تبصراً واطلاعاً على كل شيء، وهو بذلك غير مقتنع بالأساليب التقليدية وأصبح متصيداً للأخطاء والهفوات، التي يقع فيها المدرس، من هنا وجب عليه أن يكون ملماً ومتحصناً بالمعرفة الجيدة والمتطورة في جميع جوانب العملية التعليمية، بالإضافة إلى تمتعه بما يسمى “الكفاية الأدائية، والشخصية والمعرفية”، والأهم من ذلك كله الإهتمام بالبحث العلمي وعدم جعله وسيلة للحصول على الترقيات الأكاديمية، والخروج من دائرة نشر الأوراق البحثية كونها الوسيلة الوحيدة للحصول على الترقية، فالكثير من الجامعات العالمية المتقدمة تتخذ معاييرا عديدة يتم الأخذ بها عند ترقية أو تعيين الأستاذ الجامعي غير مقتصرة فقط على نشر الأبحاث؛ منها: إعداد وتطوير المناهج الأكاديمية، وتأليف أو تطوير مواد تعليمية سواء كانت مطبوعة أو على شكل وسائط تعليمية آخرى، وتوصيل الأفكار بفعالية، وعرض المواد التعليمية بدقة وموضوعية، ومتابعة آخر التطورات العلمية في مجاله، وغرس مهارات التفكير الناقد، بالإضافة إلى تقييم احتياجات الطلاب وتشجيعهم وتعزيز قدراتهم البحثية والإشراف عليها، وتقديم النصح لهم والاتصال الفعال والإيجابي بهم، عدا عن تحقيق الانضباط في البيئة التعليمية، والتقييم الذاتي والتطور المستمر؛ لمواكبة متطلبات العصر، بالإضافة إلى البحث العلمي لخدمة المجتمع؛ فتلك المهام هي التي يتم استخدامها في ترقية وتعيين أعضاء هيئة التدريس في مختلف الجامعات العالمية.

إنّ الآليات المتبعة اليوم عند التعاقد وترقية أساتذة الجامعات، للأسف تفتقد للكثير من المعايير السابقة، فلا يوجد إطلاع على المؤهلات غير الموجودة في الأوراق الرسمية، عدا عن أنّ المقابلات الشخصية لا تكشف عن عمقه المعرفي ومستواه الحقيقي، فالاستاذ الجامعي اليوم يجب أن يكون قادراً على توفير بيئة معرفية وفكرية جديدة للطالب الجامعي، وتحفيزه لاستثمارها في عملية التعليم الذاتي والمستمر.