بداية، أتقدم بخالص العزاء الى شعب عُمان الشقيق والأسرة الحاكمة، والدعاء للراحل الكبير بالرحمة، وإلى عُمان الغالية التقدم الدائم.
****
طالما كان للسلطان الراحل قابوس، مكانة متميزة باعتباره رجل دولة بكل ما تحمل الكلمة من معان. سواء بإنجازاته الداخلية التي لا تضاهى، أو بسياسته على الصعيدين العربي والإقليمي، التي اتسمت على الدوام بالعقلانية والتوازن والانفتاح والإقدام على طرح مبادرات من شأنها سلامة وأمن منطقتنا العربية وكذلك علاقتنا مع دول الإقليم..
******
في قمة بغداد، حيث قطع العرب علاقاتهم مع مصر، بعد «كامب ديفيد»، وقاموا بنقل الجامعة العربية. وكان للسلطان موقف مختلف.. حيث لم يستجب إلى ذلك القرار..
وكنا في حينها كشباب، قد استغربنا موقف السلطان قابوس، وبعد ذلك، وبعد أن هدأت العواطف بدأ الأمر على حقيقته، حيث تراجع العرب عن قرارهم وأعادوا العلاقات مع مصر، فمصر ذات مكانة ودور في الجسم العربي يصعب التعامل معها بهذه الطريقة.. وكان موقف السلطان هو الأصح..
******
والسلطان قابوس، رجل التوازن ورأس الحكمة الذي لم يكن طرفاً في الخلافات بين دول الخليج العربي وبقي الصوت الذي لم يتوقف في محاولة رأب الصدع وإعادة الحياة لمجلس التعاون واستئناف علاقات الإخوة بين الأشقاء..
كما أن الراحل لم يأل جهداً في التصدي إلى الحرب الدائرة في اليمن، والسعي إلى وقفها، ومحاولته الدائمة إلى جمع طرفي المعادلة اليمنية في صنعاء وعدن من أجل إعادة السلام والأمن للبلاد والحفاظ على وحدة شعب وأرض اليمن الشقيق.
******
والسلطان قابوس، الذي أعطى عُمان سمة الأنفتاح والتواصل مع كل الأطراف الدولية والإقليمية دون انحياز لأي طرف، كان المؤهل دائماً إلى محاولة إحداث التقارب والتفاهم وإنهاء التوتر الدائم بين المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي من جهة، وبين إيران من جهة أخرى. بل وسعي عُمان بقيادته إلى خفض التوتر بين إيران والولايات المتحدة.
******
حتى الكارثة السورية، وبرغم حالة الشد والعداء الذي وصل حد الأحتراب على طول البلاد السورية فإن عُمان لم توقف الاتصال مع الحكومة السورية، وبزيارات معلنة الى وزير خارجيتها إلى دمشق و استقبال وزير خارجية سوريا في عُمان، وذلك في ذروة المقاطعة الإقليمية والعربية للحكومة السورية.
عُمان كانت ونأمل أن تبقى صوت العقل والحكمة والتوازن والسعي إلى انهاء الحروب في بلادنا، بل وتحسين علاقاتنا مع القوى الإقليمية على قواعد الأقدام المتبادل للمصالح.
******
أما على الصعيد الداخلي، فقد أُتيح لي زيارة عُمان مرة واحدة و لفترة قصيرة، ومع ذلك كانت كافية لأن أرى مدى التطور بشتى المجالات التي شهدتها عُمان في ظل حكم السلطان قابوس..
حداثة عمرانية وبنية تحتية متطورة، لا يوازيها إلا ثقافة الناس العالية، والدماثة التي تلمسها على محيا الأشقاء العٌمانيين.. بل وتواضع المسؤولين بمن فيهم أبناء الأسرة الحاكمة.. بل وذلك التآلف بين كل الناس حيث يصلي كل العُمانيين في مسجد واحد على اختلاف مذاهبهم..
وتلك انطباعات أبناء الأردن العاملين في عُمان، حيث زرتُ مقرهم فحدثوني عن الانجاز والحداثة التي حدثت في عُمان في زمن قياسي..
*******
وأفادني الصديق المهندس سعيد السقلاوي، والذي كنت بضيافته هناك، كما وقال المهندس الصديق عبد الفتاح المعايطة الذي عمل فترة طويلة ككبير مهندسي بلدية مسقط وأسهم بإنشاء كورنيش مسقط الرائع، عن المتابعة الحثيثة من لدن السلطان الى كل مشاريع الحداثة والبناء في طول البلاد وعرضها..
حيث كان السلطان يجوب البلاد لمدة أربعة أشهر لزيارة المناطق العُمانية ويقييم أياماً في كل منطقة، يشرف على وضع المشاريع الأنتاجية والخدماتية ليأتي في السنة التالية ليرى بنفسه ما تحقق من تلك المشاريع وما تم تنفيذه، فيكافئ من أنجز ويقصي من لم يكن على قدر المسؤولية..
وبعد؛ السلطان قابوس قيمة وطنية كبيرة لعُمان، وصوت عقل وحكمة للعرب وللمنطقة، أدعو الله ان يعوض عُمان والعرب من يمثل سجاياه ووطنيته وعروبته.. إنه سميع مجيب..
سمير الحباشنة
(الرأي)