مرّت، يوم أمس السبت، الذكرى التاسعة والستين لمؤتمر أريحا 1949 الذي نادى بوحدة الضفة الفلسطينية مع الأردن ،حيث عقد المؤتمر في ظروف معقدة من المآسي والنكبات العربية، من إعلان قيام الكيان الإسرائيلي واحتلال الساحل الفلسطيني وفتور حدة الحرب التي دارت بين الجيوش العربية وجيش الإحتلال الإسرائيلي وخروج بريطانيا من لعبة الإنتداب على الأراضي الفلسطينية ودخول الولايات المتحدة لاعبا جديدا وقويا في الشرق الأوسط ،وخلافات القيادات العربية حول من يقود العالم العربي الجديد، ولكن الفلسطينيين ممثلون بنخبهم وقياداتهم الإجتماعية، أدركوا مبكرا أن الإعتماد على القيادات العربية لهزيمة إسرائيل مستحيلة، فاستدركوا أمرهم بالمناداة للوحدة مع الأردن وأصبحت فلسطين المجتزءة تابعة للتاج الأردني فعليا.
اجتمع الفلسطينيون في أريحا لعقد مؤتمرهم بزعامة محمد علي الجعبري رئيس بلدية الخليل، وبمشاركة شخصيات وازنة من العائلات البارزة كآل النشاشيبي ونسيبه والمصري و طوقان والدجاني والفاروقي والعلمي والغصين عبدالهادي وكثير غيرهم، ونادوا بالملك عبدالله الأول ملكا على الضفتين، وذلك للحفاظ على ما تبقى من أرض فلسطين التي احتلتها الدولة الجديدة، وبقية الأراضي التي تقاطعتها مصر وسوريا وهي غزة في الجنوب الغربي وأراضي الحمّة في الشمال الشرقي، وانقلبوا على مشروع دولة عموم فلسطين في غزة، حيث انضم اليهم رئيس حكومة عموم فلسطين أحمد باشا حلمي وحسين الخالدي وعوني عبدالهادي والعديد من الشخصيات المناوئة للشيخ أمين الحسيني.
لقد كان مؤتمر أريحا هو نقطة الوصل شرقي النهر بعد مؤتمر عمان 1948 الذي ترأسه سليمان التاجي الفاروقي وضم زعامات عديدة كسعدالدين العلمي ونويهض عجاج ونور الدين الغصين، طالبوا خلاله ضم الملك عبدالله لكافة الأراضي الفلسطينية التي حررها الجيش الأردني خصوصا مدينة القدس التي طرد الجيش الأردني منها كل السكان اليهود وتم ترحيلهم الى ما غرب المدينة المقدسة، وما هي إلا ساعات إلا والجواب يأتي من عمان بموافقة الملك عبدالله الأول على مقررات المؤتمر الذي بايعه ملكا على فلسطين وحدة لا تتجزأ ، وإجراء إنتخابات برلمانية للضفتين مناصفة، وحاز المؤتمرون على المناصب القيادية في الحكومة الأردنية، وظل الأمر حتى تم احتلال الضفة الغربية وسيناء والجولان من قبل العدو الصديق.
للأسف لم يعد أحد يهتم بأحداث التاريخ، فاليوم الجميع مشغول بالنزاعات والاصطفافات ورغيف الخبز ومناهضة سياسات الحكومات التي فشلت بتغيير العالم العربي نحو الأفضل، بل لم تحافظ على الأقل على ما كان من بنية للدولة في عصر نهاية القرن العشرين، لهذا لم يعد لفلسطين أي إهمية في قلوب كثير من الشعوب العربية التي لم ترّث عن آبائها تلك الحماسة والعنفوان لعقيدة وحدة المصير العربي، ولهذا نرى كيف تمرّ ذكريات مهمة دون أن يقرأ عنها أحد، بقدر ما يقرأون من نفايات سياسية وفكرية يعاد تدويرها عبر منصات الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي.
عند قراءة التاريخ العربي عموما تبرز دائما المنعطفات المظلمة، وليس هناك من خلاصة يمكن التسليم بها، عكس كل بلاد العالم، ولهذا لا يزال القوم يختصمون فيما جرى منذ سبعين عاما حيث الهزيمة الكبرى للقومية العربية لصالح مولود جديد جاءهم من وراء البحار ليشكل دولة أصبحت هي الأقوى في الشرق الأوسط عسكريا، ولكنها مهزومة داخليا لأنها تعلم أنها ذئب وسط قطيع من الخراف التي إعتادت على وجوده بينهم ، وعاشرت النزاع