حين نقرأ القرار التاريخي لجلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين المعظم بإنهاء وإلغاء الملحق (ب) و (ج) من معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية المتعلقين بأراضي منطقة الباقورة (860 دونما) ومنطقة الغمر (حوالي 4200 دونم) – والذي أعطى إسرائيل حق الاستعمال والانتفاع (Land Use) وليس الاستئجار (Land Lease) ولمدة (25) عاماً قابلة للتجديد ما لم يخطر أحد الطرفين الطرف الآخر بنيته إنهاء العمل بهذين الملحقين قبل سنة من انتهائه- علينا أن نأخذ هذا القرار من جوانب عدة أهمها:
1- أن جلالة الملك في حالة انتباه وإصغاء لما يريده شعبه الأردني وهو الذي نذر نفسه لتنفيذ ما يصبو إليه هذا الشعب الطيب، وقد كان حفظه الله يتابع نبض الناس بشأن تجديد الملحقين من عدمه منذ مدة طويلة وانتهى إلى قرار يتماشى مع رغبة شعبه.
2- أن قرار جلالة الملك كان منسجماً مع معاهدة السلام دون خرقها حين مارس الأردن ما أعطته له المعاهدة نفسها -والتي صادقت عليها إسرائيل- بخيار التجديد أو عدمه. إذا القرار هو تطبيق للمعاهدة وليس اختراقاً لها، في حين أن إسرائيل هي التي اخترقت نصوص المعاهدة في مناسبات عدة منها محاولة اغتيال خالد مشعل في شارع رئيسي في عمان، وممارستها العبثية المتكررة في الحرم القدسي الشريف دون احترام الوضع الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية هناك كما نصت المادة (9) من المعاهدة، والوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية المعترف بها دولياً.
3- جلالة سيدنا ملك أردني يمثل سيادة الأردن، وعروبي قومي لأنه وارث راية الثورة العربية الكبرى، نهضة العرب، وعميد آل البيت الأطهار بهاشميته وارثه الديني والتاريخي. فالملك إذا يحمل بهذه المكانة المتميزة مسؤوليات جسامًا لكل ما هو أردني وعربي وإسلامي. فهو بقراره هذا انتخى للسيادة الكاملة على التراب الأردني الطهور، وانتخى للأشقاء الفلسطينيين من التعنت الإسرائيلي وغطرستها وهيمنتها على كل حق فلسطيني في الاستقلال وإقامة دولتهم المستقلة على ترابهم الوطني ومصادرة الأراضي الفلسطينية لإقامة المستوطنات غير المشروعة وسرقة المياه الفلسطينية ..الخ من الممارسات التي تخالف القوانين الدولية والإنسانية وميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن والمعاهدات الدولية وروحية السلام التي تدعيها إسرائيل، وانتخى للأقصى من العبثية والانتهاك.
فلنا أن نتخيل السيناريو التالي: لو أن إسرائيل نفذت قرارات الشرعية الدولية، والمبادرة العربية، وأقيمت الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من حزيران (1967) وعاصمتها القدس الشرقية، وأعطي اللاجئون الفلسطينيون حقهم المشروع، وأعيدت الجولان العربية المحتلة إلى وطنها السوري، واحترمت حرمة الأقصى وكنيسة القيامة، فإن الأردن كان ليجدد الملحقين مدار البحث -إلا أن الغطرسة الإسرائيلية واجهت قراراً أردنياً صلباً، فنجح الملك وفشل نتنياهو.
4- كانت إسرائيل قد أقامت مزرعة الغمر بعد أن زحفت بغير حق إلى داخل الحدود الأردنية في الفترة بين عامي 1967-1970، وضمت بعض المناطق التي اعتبرها الأردن أراضي أردنية محتلة على الشريط الحدودي بين العقبة وملاحات البحر الميت وبما يعادل (250) كم2. ولما أقررنا خط الانتداب عام (1922) كحد بين الأردن وإسرائيل وليس خط وقف إطلاق النار المبرم في اتفاقية رودس عام (1949) عادت كل الأراضي التي سيطرت عليها إسرائيل شرق خط الانتداب إلى الأردن. أقرت إسرائيل خط الانتداب ولكنها بقيت تحاول الاحتفاظ بمزرعة الغمر التي تبعد عن الحدود المقررة بحوالي 5 كم. طرحوا فكرة مبادلة أراضٍ (Land Swap) فرفضها جلالة المغفور له، كما رفض فكرة استئجار المزرعة.
ثم طرحت فكرة استعمال الأراضي بحيث تُعطى إسرائيل الحق باستعمال مزرعة الغمر بإجراءات خاصة مقابل استعمال الأردن بحيرة طبريا لتخزين 25 م م3 من فيضانات مياه نهر اليرموك في فصل الشتاء ويستردها الأردن في فصل الصيف لغايات الري في وادي الأردن.. علماً بأن الأردن لم يكن يملك سدوداً تجميعية أو تخزينية أو تحويلية على نهر الأردن.
فكان قرار الأردن صائباً آنذاك لأن المصلحة مشتركة، وكان قرار الإلغاء بعد (25) عاماً صائباً أيضاً لأن الحاجة الأردنية انتفت خلال الفترة وخاصة بإنشاء سد الوحدة (الذي نأمل أن يتعاون الأشقاء في سوريا معنا لإملائه لأنه مشترك).
فكان من الضروري العودة إلى الوضع الطبيعي وممارسة السيادة الكاملة على تلك البقعة من الوطن الغالي.
لا يحق لإسرائيل، أو للإسرائيليين أن تتوعد الأردن، أو أن تحرض حلفاءها على معاقبة الأردن على قراره، لأن الأردن طبق أولاً المعاهدة كما هي، ثم أرسل الأردني ثانياً رسالة إلى الإسرائيليين وحلفائهم بأن إسرائيل التي قتلت عملية السلام تتحمل تبعات هذا القرار التاريخي.