تحولت المجتمعات العربيّة إلى إلكترونيّة في غمضة عين، فخلال سنوات عدة امتلك الفرد العربي تكنولوجيا إتصاليّة ذات تقنيّة فائقة، عزّز من رُسوخها مواقع التواصل التي تداخلت مع مختلف ظروف الحياة، فتحوّلت الأسواق العربيّة إلى محطّةٍ استهلاكيّةٍ هامّة أضحى العربيُّ بها أسيراً وباحثاً عن آخر المنتجات وليس باحثاً في صُنعها وأسيراً في معامل إختراعها .
يعيش الشباب العربيّ اليوم في معضلة التعامل الإلكترونيّ الذي في أغلبه هو لغايات ترفيهيّة تواصليّة ليست لغايات تطوير الذات والريادة كما يفعل الفرد الغربي، وما هذهِ إلا مؤشرٌ خطير من حيث تغلغل الثقافة الإستهلاكيّة ووقوعهم تحت تأثير الإعلان الذي هبط بهم إلى أسفل؛ بخطف ذهنيّتهم وسلوكهم الذي أصبح رهن السوق والعروض.
ويظهر جلياً التجوال الإلكترونيّ والواقعيّ بين ما هو جديد من الصناعات، واصبحنا فريسةٌ للشركات الإلكترونيّة والأخرى المالكة لشبكات التواصل التي تنظر على أنه يدٌ تستهلك لا تعمل، وعقلٌ نازحٌ عن مسقط رأسه وهو التفكير، مع الإشارة إلى أن الحروب والكوارث بالغالب هي سبب النزوح داخل الدولة، أما اللجوء فهو إلى دولةٍ أخرى، وهُنا فالنزوح هو الأشد والأخطر وهو الانتقال إلى مكانٍ آخر مِن جمجمة الرأس وفي مسار مختلف عن عالم اليوم.
واليوم في ظل الحديث عن سلبيات مواقع التواصل الاجتماعي كالفيسبوك والتويتر واليوتيوب ولينكد إن والإنستغرام وغيرها، والتطوّر الهائل في صناعة الهواتف الذكيّة، زاد التهديد الذي تؤديه الفجوة بين المستخدم العربيّ كإنسانٍ عليه أن يعمل عقله ويُكرّس فكره وجهده في الإنتاج والتصنيع وتطوير الذات وتحسين العمل، وبين حالة الغرق بين أخاديد الإلكترونيّات واستخدام التواصل الاجتماعي المفرط الذي أخذ بالفرد نحو ضياع الوقت والدخول في صراعات الكراهيّة ونشر أو متابعة الأخبار المغلوطة والوقوع ضحية الشائعات وتشتيت الإنتباه وزيادة الإحساس بالوحدة والإكتئاب وإدمان الجلوس أمام الإنترنت، والإكتفاء بمتابعة الحياة عبر الشاشة وتراجع التفاعل مع الناس.
واليوم أيضاً لا نُنكر تأثُّر إنتاجيّة الموظفين في العمل؛ لإنشغالهم أثناء العمل باستخدام أدوات ومواقع عدة، الشيء الذي أنتج بلا وعي نزوحاً فكرياً شديد الوطأة، ألغى العصف الفكريّ لدى الشباب الذين تحوّلت حياتهم من شاشة العقل والعمل التي نتوق إليها إلى شاشة إلكترونيّة مليئة بالخدمات المثيرة وتعج بالبشر، فاختفى التواصل الفكريّ في ظلِّ ضرورات الحياة واللحاق بالعالم المتقدّم بالإبتكار والإختراع والإبداع.
ولأسباب اجتماعيّة يتسم بها العرب في أعرافهم وحب تواصلهم، نجد أنه ورغم مرور أكثر من عشر سنوات على ولادة مواقع التواصل، إلا أننا وحتى اللحظة نتعامل مع مواقع التواصل وكل خدمة جديدة فيها على أساس الصدمة والإنبهار والتعلّق؛ فالمستهلك ليس كالمنتج، لأن فاقد الإنتاج آفاقه موصّدة ومن الطبيعي هُنا أن يكون الاستخدام السلبي لهذه المواقع، لذا نرى شريحةً كبيرةً من المواطنين العرب وعبر الصفحات الخاصة والعامة يبثّون سموم الطائفيّة والإقليميّة والخطاب الدينيّ والكراهيّة والتخوين والتفريق والإتهام والإستعلاء وهو أسوأ محتوى عبر شبكة الإنترنت بحسب عدة دراسات.
وإدارات مواقع التواصل الاجتماعي تعلم حجم التفاعل عبر مواقعها في مختلف مناطق العالم، وباتالي فهم يرون الكثير من النقاط الزرقاء في البلاد العربيّة، هذه النقاط التي تشير إلى حجمِ تفاعلٍ كبير يؤكد لنا ولهم أن لدى أغلب أفراد هذه الشعوب الكثير من الوقت والفراغ؛ بسبب عدم وجود ميادين عمليّة سواء عقليّة أم واقعية، وهذا له علاقة بالشخص ذاته وأيضاً بالدولة العربيّة التي لا تستثمر بالإنسان، وبالتالي بات وقته محلّاً للتوحّد اللافائدة منه مع الإلكترونيّات.