هدأت حدة النقاش حول مواصفات البنزين، بعد إقرار الشركات بمخالفة المواصفات العالمية، والتزامها بتصويب الوضع.
ما كان أحد من المزودين ليعترف بالمشكلة لولا أن الآلاف من أصحاب المركبات اشتكوا من تعطلها جراء تلف “البواجي” بسبب زيادة نسبة الحديد في البنزين بنوعيه.
لكن هل انتهت المشكلة حقا؟
دائرة المواصفات والمقاييس، وبعد جدل طويل مع أصحاب العلاقة، أجرت تعديلا على مواصفة البنزين، تحظر إضافة الحديد للمشتقات عند تكريرها. لكن في الأثناء كانت شحنات ضخمة من البنزين تدخل الأسواق وتكفي حاجته لأشهر عدة، ما يعني أن البنزين المتوفر حاليا هو ذاته الذي تسبب بتلف “البواجي” وتكبيد أصحاب المركبات خسائر مالية.
كما أننا لا نعلم بعد إن كانت دائرة المواصفات والمقاييس قد اتفقت مع الشركات على توفير بديل آمن للحديد، خاصة وأن كلفة هذا البديل، حسب مختصين، مرتفعة جدا.
الأهم من ذلك أن تلف البواجي وتغييرها مع ارتفاع أسعارها بفعل زيادة الطلب ليس نهاية متاعب السيارات وأصحابها، فالأضرار وباحتمال مرجح جدا قد تمتد لتصيب محركات السيارات بالعطب الكامل، ما يستوجب تغييرها.
لقد مضى أكثر من أسبوع على إجازة المواصفة الجديدة للبنزين، ومع ذلك ما يزال أصحاب المركبات يشكون من الأعطال واضطرارهم لتبديل “البواجي”، وسنشهد في الأسابيع المقبلة استمرار المشكلة مع استخدام البنزين بالمواصفات السابقة نفسها.
حسب معلومات الخبراء في القطاع، فإن “بنزين 95” المتوفر في الأسواق مستورد بالكامل، بينما تنتج مصفاة البترول “بنزين 90” إلى جانب ما تستورده الشركات الأخرى من الخارج.
نحن في الواقع أمام مشكلتين ينبغي التعامل معهما بشكل جدي. المشكلة الأولى ضمان توفر بنزين مطابق للمواصفة المحدثة، وهذا ما لم يتحقق بعد بدليل استمرار تعطل مركبات المواطنين، فلم توفر الجهات الحكومية دليلا قاطعا على أن البنزين المتوفر في المحطات خال من الحديد بنسب تزيد على المنصوص عليه بالتعليمات الجديدة.
المشكلة الثانية، وتتعلق بحق المتضررين بالتعويض عن الخسائر التي نجمت عن استخدام بنزين غير مطابق. طالعنا جدلا قانونيا حول هذا الموضوع، خلص إلى وجود صعوبات كبيرة تحول دون تقدير وقوع الضرر وهوية المتضررين.
لكن المؤكد فعليا أن كل مستخدمي بنزين 95 تعرضت سياراتهم للضرر الفني، والأغلبية من مستخدمي بنزين 90 عانوا أيضا من الأضرار نفسها. ومن الناحية الفنية قد لا يظهر الضرر بشكل مباشر وسريع، إنما بعد فترة طويلة من الاستخدام.
في المحصلة، هناك ضرر وقع على الجميع تقريبا، ويوازيه في الأهمية، انهيار الثقة لدى المستهلكين بجودة المنتج المقدم، والبعد الأخلاقي المتمثل بالسكوت على المخالفة رغم علم المعنيين بأضرارها المحتملة.
فكيف يمكن احتواء ذلك كله؟
الاقتراح هنا أن تبادر الشركات المعنية بإنقاذ سمعتها وتراجع مبيعاتها إلى تقديم عرض للمستهلكين بأسعار مخفضة لصنفي البنزين بنسبة معينة تعادل كلفة الضرر الذي لحق بمركباتهم ولفترة محدودة كتعويض عن المبالغ التي أنفقوها على صيانة مركباتهم.
تمثل خطوة كهذه ترجمة عملية لالتزام الشركات بمسؤولياتها الأدبية والمادية تجاه زبائنها على طرق استعادة الثقة التي تراجعت بفعل مخالفات صريحة أضرت بالمواطنين.